شيء من الزينبية - 22 نوفمبر 2016

صحيفة المدينة

شيء من الزينبية - 22 نوفمبر 2016

2021-10-14    589

من أجمل ما قرأت في الشعر العربي قصيدة بديعة لصالح بن عبدالقدوس لم يشتهر بين الناس منها غير بيتٍ واحد صار حكمة يتناقلها المعجبون جيلاً بعد جيل هو قوله:
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً
ويروغُ عنك كما يروغ الثعلب
وبالرغم من جمال وعظة وأهمية البيت الذي يليه فإن الناس لم يلقوا له بالاً ، وهو:
وصِلْ الكرامَ وإنْ رموك بجفوةٍ
فالصفح عنهم بالتجاوز أصوب
وصالح بن عبدالقدوس البصري؛ أحد شعراء الدولة العباسية ولد في الربع الاخير من القرن الأول الهجري ونشأ وترعرع في مدينة البصرة وسكن بغداد أيام أبي جعفر المنصور وكان متكلماً وحكيما ، وقد امتاز شعره بقوة الألفاظ ودقة السبك وبالحكمة والموعظة والزهد في الدنيا ومحاسبة النفس والحث على مكارم الأخلاق وطاعة الله ، وكان كثير الوعظ للناس في شعره.
ذكره الثعالبي في كتابه (لباب الآداب) وقال عنه : كل شعره حكم وأمثال ، اتهم عند المهدي العباسيّ بالزندقة ، فقتله في بغداد ، وهو من الشعراء القلائل الذين نأوا بأنفسهم عن التكسّب بالشعر.
اخترت بعض الأبيات من قصيدته المسماة بالزينبية وهي قصيدة مشهورة بالحكمة والموعظة وهي طويلة وجميلة ومنها :
ذَهب الشَبابُ فَما لَهُ مِن عَودَة
وَأَتى المَشيبُ فَأَينَ مِنهُ المهَرَبُ
دَع عَنكَ ما قَد كانَ في زَمن الصِبا
وَاِذكُر ذُنوبَكَ وَاِبكِها يا مُذنبُ
وَاذكُر مُناقَشَة الحسابِ فَإِنَّهُ
لا بُدَّ يُحصى ما جَنَيتَ وَيُكتُب
لَم يَنسَهُ الملكان حينَ نَسيتَه
بَل أَثبَتاه وَأَنتَ لاهٍ تَلعَبُ
وَالروحُ فيكَ وَديعَة أُودِعتَها
سترُدُّها بِالرغم منك وتسلبُ
وَجَميعُ ما خَلَفتَه وَجَمَعتَهُ
حقاً يَقيناً بَعد مَوتِكَ يُنهَبُ
فَعَلَيكَ تَقوى اللَهِ فَالزَمها تَفُزْ
إِنَّ التَقِيِّ هو البهيُّ الأهيبُ
وَاِخفِض جناحَك لِلأَقارِب كُلِّهِم
بِتَذلُّلٍ وَاِسمَح لَهُم إِن أَذنَبوا
وَدَعِ الكَذوبَ فَلا يَكنْ لَكَ صاحِباً
إِن الكَذوبَ يَشين حراً يصحبُ
وَاِحفَظ لسانَك وَاِحتَرِز من لَفظِه
فَالمَرءُ يَسلم بِاللِسانِ وَيعطبُ
وَالسر فَاِكتمه وَلا تَنطقْ بِهِ
إِن الزُجاجَة كَسرها لا يشعب
وَكَذاكَ سر المَرءِ إِن لَم يَطوه
نَشَرَتْه أَلسِنَة تَزيد وتكذبُ
وَاِحذَر مُصاحَبَة اللَئيمِ فَإِنَّهُ
يُعدي كَما يُعدي الصَحيحَ الأَجربُ
وَاِحذَر مِن المَظلومِ سَهماً صائِباً
وَاِعلَم بِأَن دعاءَه لا يُحجَب
وَاِذا رَأَيتَ الرِزقَ عزَّ بِبَلَدةِ
وَخَشيتَ فيها أَن يَضيقَ المذهبُ
فَارحَل فَأَرضُ اللَهِ واسَعَة الفضا
طولاً وَعَرضاً شَرقُها وَالمَغربُ
فَلَقَد نَصَحتُكَ إِن قَبِلتَ نَصيحَتي
فَالنُصحُ أَغلى ما يُباعُ وَيوهَبُ
ما أجملَها من أبيات ، وما أصدقَها من كلمات ، وما أعظمها من حِكَمٍ . و» إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا».


مشاركة :